أعلم أن الرئيس السيسي كمواطن مصري يعلم معظم أوجه الفساد في مصر ، ولكنه كرئيس جمهورية لبلد كبير لا يستطيع أن يخوض كل المعارك مرة واحدة ، ولابد أن يكون لديه جدول أولويات لمواجهة هذا الفساد الذي عشش في أجهزتنا الحكومية وتمدد وتوالد ، فهل ننتظر نحن حتى ينتهي الرئيس من تطهير كل هذه الأجهزة ونكتفي بدور المتفرجين وهو الآن قد بدأ بمحاولة إصلاح الإقتصاد المصري من الإنهيار الوشيك الذي نتجه نحوه بسرعة لو إستمرت الأمور تمضي بنفس النهج ولو إستمر هذا الفساد والتخلف في أجهزتنا .
يجوب الرئيس العالم من غربه إلى شرقه ، ومن شماله إلى جنوبه بحثاً عن أفضل الحلول لإنقاذ إقتصاد مصر ولتشجيع الإستثمارات الأجنبية في بلادنا ، وقبل ذلك عقد المؤتمر الإقتصادي في شرم الشيخ ودعا إليه كل دول العالم ، ونبهنا أنه ليس ساحراً ولا يملك عصا سحرية سيصلح بها كل أمور مصر ، بل يجب علينا كلنا أن نتعاون معه ونضع أيادينا في يديه ليزداد قوةً بنا ، فهل فعلنا ذلك ، عاهدناه على المشاركة فهل أوفينا بعهدنا ، هل طهرنا أنفسنا ، هل إزدادت ساعات إنتاجنا ، وهل زادت إنتاجيتنا ، هل عاهدنا أنفسنا وعاهدنا الله صباح كل يوم عندما نتوجه إلى عملنا أن نبذل فيه كل جهدنا وأن نلتزم بالأخلاقيات ، هل فكرنا في مصر التي نتغنى بحبها ليل نهار ولكننا لا نفعل شيئاً سوى الكلام والجدل العقيم والإعتصامات والمظاهرات في الشوارع والميادين بإسم الثورة . . هل فكر كل منا كيف ينقذ مصر ، هل وضعنا نهجاً لأنفسنا نلتزم به بكل إخلاص وأمانة
لنؤدي واجباتنا نحوها ، هل أدركنا ماذا سيكون مصيرنا ومصير أبنائنا وأحفادنا لو سقطت مصر ، هل فكرنا لو حدث في مصر ما حدث للعراق وسوريا وليبيا ، هل سنهيم على وجوهنا في بلاد العالم بحثاً عن مأوى ، هل سنعبر البحر ويغرق بعضنا لنتسلل إلى دول أوروبا ، هل سنزحف عبر الصحراء إلى الدول المجاورة لتستقبلنا سكاكين وسيوف داعش والتنظيمات الإرهابية لتذبحنا ، لا تغتروا كثيراً وتتصوروا أن مصر فوق السقوط ، لقد نجت مصر من الفصل الأول للمؤامرة على العالم العربي بفضل جيشها القوي الذي حماها ومنع عنها السقوط كما سقطت غيرها من الدول الأخرى ، ولكن هناك فصول أخرى للمؤامرة وسوف نكون نحن أداتها في إسقاط مصر ، لن يلجأ المتآمرون علينا إلى الغزو العسكري في هذا الفصل التآمري الذي بدأ ، ولن يوقفوا المعونات العسكرية والإقتصادية في هذا الوقت ، لكنهم سيستخدموننا في تدمير بلدنا :
• تارة عبر الدين وغسل العقول وزرع مفاهيم دينية خاطئة في شبابنا حتى تحولنا إلى روافد نمد بها التنظيمات الإرهابية التي تنشر الإرهاب في كل العالم ، وتارة عبر تصدير قيم ومفاهيم وأشكال ومظاهر غريبة عنا بإسم حقوق الإنسان .
• وتارة عبر تسطيح فكر الإنسان العربي وتطبيعه على التفاهات وعدم القدرة على الإختراعات والإبداعات في مختلف مجالات العلوم .
• وتارة عبر تغيير أخلاقيات وطباع هذا الجيل بواسطة متابعة الأعمال الهابطة من الإعلانات والمسلسلات والأفلام البعيدة كل البعد عن الفن الحقيقي ، حتى تغير الذوق الفني الرفيع في الأغاني والموسيقى وحل محله الرخص والإبتذال والتعري الجسدي .
• وتارة بأيدينا بعد أن أصبحنا شعبآ ضعيفاً كسولاً لا يحب العمل ، ويولد له طفل كل عشرين ثانية حتى إقترب تعدادنا من مائة مليون . . الموارد شحيحة ، والديون كثيرة ، والعبء ثقيل جداً على الرئيس والحكومة .
وكانت النتيجة المنطقية لكل هذه الأمور أنه لم يظهر في مصر ولا في الدول العربية خلال الخمسين عاماً الماضية قامات في الفن والموسيقى والأدب كما ظهرت من قبل . . كانت هذه القامات ترتقي بالحس الفني والأدبي والإنساني لدى الجماهير المصرية والعربية وتبث الحب الحقيقي للوطن وتشحذ الهمم للإبداع ، هل ظهر كاتباً أو أديباً بقامة كل من عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ، وعباس محمود العقاد ، وتوفيق الحكيم ، ونجيب محفوظ ، ومحمد حسين هيكل ، ويوسف إدريس ، وأنيس منصور ، ويحيى حقي ، وإحسان عبد القدوس ، وهل ظهر شاعر بقامة كلٍ من أمير الشعراء أحمد بك شوقي ، وشاعر النيل حافظ إبراهيم ، وأحمد رامي ، وبيرم التونسي ، و إبراهيم ناجي ، ومحمود حسن إسماعيل ، وطاهر أبو فاشا ، وصلاح جاهين ، وعبد الرحمن الأبنودي ، ونزار قباني ، وأدونيس ، ومحمود درويش ، وأبو الطيب المتنبي ، وبدر شاكر السياب ، عبد الوهاب البياتي ، والجواهري ، وإيليا أبو ماضي ، وجبران خليل جبران ، وميخائيل نعمة ، والأمير عبد الله الفيصل ، وهل ظهرت مغنية أو ظهر مغني بقامة كل من كوكب الشرق أم كلثوم ، ومحمد عبد الوهاب ، وفريد الأطرش ، وأسمهان ، وعبد الحليم حافظ ، وفيروز ، وفايزة أحمد ، ووردة ، ونجاة ، وشادية وهل عوضنا أحد من الموسيقيين عن رياض السنباطي وزكريا أحمد ، والقصبجي ، وبليغ حمدي ، والموجي وكمال الطويل ، والرحبانية ، لو أبحرنا إلى كل الأوقات وتوغلنا في كل المجالات لن نجد شخصيات تملأ فراغ من رحلوا عنا ، هل حدث ذلك صدفة أم بفعل فاعل ، علينا أن نعترف أننا تحولنا إلى الأدنى وتغيرنا إلى الأسوأ ، وسوف نكون نحن معاول الهدم التي تنهال على جسد مصر بعد أن فقدنا الإحساس بالمسئولية ولم نفكر إلا في أنفسنا .
ربما تكون المؤسسة العسكرية المصرية هى الجهة الوحيدة التي يسودها الإنضباط ، ولم يصل إليها الفساد ، ولهذا نجحت في تحرير سيناء بعد حرب أكتوبر المجيدة ، ثم إستجابت لنداء الجماهير وخرجت لتسترد مصر من عصابة الإخوان المجرمين ، وتخوض اليوم معركتين : معركة ضد الإرهاب بالتعاون مع الشرطة المصرية ، ومعركة البناء والمشاريع العملاقة التي توجتها بحفر قناة السويس الجديدة ، بينما يعم الفساد بقية الجهات الحكومية والمحليات .
.
مصر تسقط بأيدي أبنائها ( الجزء الثالث )
كتب دكتور / حسن صابر
كتب دكتور / حسن صابر
سوف تحمل الأيام والأسابيع والشهور القريبة القادمة تطورات خطيرة جداً في تاريخ مصر بعد إنتخاب مجلس الشعب الجديد عندما يجد الشعب المصري بلده أمام وضع جديد لم يعرفه من قبل تنفيذاً لدستور أعور ، دستور لجنة الخمسين الذي وافق عليه الشعب المصري بمنتهى اللاوعي السياسي حين خرج بالملايين متصوراً أنه خرج ليصوت للسيسي معشوق الملايين فوافقوا موافقة عمياء على الدستور دون أن يقرأ غالبيتهم مواد هذا الدستور الذي منح رئيس الوزراء سلطات أعلى من رئيس الجمهورية ، وطبقاً لهذا الدستور سيصبح منصب الرئيس منصباً شرفياً :
• فالرئيس ملزم بتكليف الحزب الفائز بأغلبية مقاعد البرلمان بتشكيل الحكومة حتى لو كان حِزْبَ النور السلفي الوهابي ، أو حزباً يضم الإخوان المسلمين الذين إلتحقوا به بعد حل حزب الحرية والعدالة ، أو حزباً يملكه رجالُ أعمالٍ وأثرياءٌ مصريون ، أو حزباً يضم نفس الوجوه التي تأكل على كل الموائد بدءاً من مائدة الإتحاد الإشتراكي العربي الذي شكله الرئيس عبد الناصر إلى مائدة حزب مصر العربي الإشتراكي الذي شكله الرئيس السادات إلى مائدة الحزب الديموقراطي الوطني الذي ترأسه الرئيس مبارك
• لا يستطيع رئيس الجمهورية تغيير وزير ، ولابد من موافقة البرلمان .
• البرلمان هو الذي يختار رؤساء الأجهزة الرقابية مثل الجهاز المركزي للمحاسبات ، وجهاز الرقابة الإدارية ، ومحافظ البنك المركزي .
• البرلمان هو الذي يصدر القرارات الرقابية والتشريعية
• يستطيع البرلمان تكوين وزارة في حالة عدم موافقة الأعضاء على الوزارة الحالية أو الوزارة التي يعرضها رئيس الجمهورية .
• هل تتصوروا أن أوراق ترشح الفريق عمر سليمان - رحمه الله - قد رفضت عام 2012 لأنه لم يستكمل 30 ألف صوت ترشحه لخوض إنتخابات الرئاسة بينما في هذا الدستور يكفي أن يتقدم 20 نائباً بطلب ترشيح شخص ما ليخوض الإنتخابات الرئاسية .
• ورغم أن الدستور قد أعطى رئيس الجمهورية حق إختيار وزراء السيادة وهم وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل ، إلا أنه أعطى الحق لرئيس الوزراء بالإعتراض عليهم أو على بعضهم ، وإذا لم يتوافق رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في هذا الشأن فيحتكمان إلى أعضاء البرلمان الذي هم في غالبيتهم مع رئيس الوزراء . . فليقل لي أحد ماذا تبقى لرئيس الجمهورية ، وهل كنت مبالغاً عندما قلت أن رئيس الجمهورية سيصبح منصباً شرفياً ، وحتى لو لم يحدث ذلك في زمن الرئيس السيسي بما له من قوة وتأييد شعبي كاسح إلا أنه سيحدث بالتأكيد مع الرئيس القادم بعد السيسي سواء بثلاث أو سبع سنوات ، وأستطيع أن أجزم أن غالبية أعضاء لجنة الخمسين حين وضعوا الدستور لم يكن في ذهنهم سوى الرئيس مبارك وفترة رئاسته التي إمتدت إلى ثلاثين عاماً ، فوضعوا دستوراً يضمن تهميش سلطات رئيس الجمهورية وتحويله إلى منصب شرفي هذا فضلاً عن عدم تجديد فترة الرئاسة لأكثر من فترتين ، وكأنهم كانوا ينتقمون من الرئيس مبارك ، أو في أحسن الأحوال يضعون دستوراً يضمن عدم تكرار تجربة مبارك ، وما هكذا توضع الدساتير ، ولكنه دستور وضعه مجموعة من الهواة الذين لا خبرة لديهم ، بينما بقى أبو الدساتير الدكتور إبراهيم درويش في بيته ، وبقى معه الخبير الدستوري الدكتور شوقي السيد ، والمستشارة تهاني الجبالي ، فكانت النتيجة دستور فاشل سوف يفسد الحياة السياسية في مصر لسنين طويلة إلى أن يتم إلغاؤه أو على الأقل تعديله .
ولعلنا نتساءل لماذا لم يحل حزب النور الذي يعتبر مخالفاً لدستور 2014 الذي يُحَرِّم تشكيل حزب على أساس ديني حيث أن المادة 74 تنص على :
" للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية بإخطار ينظمه القانون ، ولا يجوز قيامها أو مباشرتها لأي نشاط على أساس ديني ، أو التفرقة بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو الموقع الجغرافي أو الطائفي أو ممارسة نشاط سري أو معادٍ لمبادئ الديمقراطية ، أو ذي طابع عسكري وشبه عسكري ، ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائي فحددت المادة الشروط الأساسية لنشاة الحزب المتمثلة في عدم قيامه بنشاط ديني أو انتمائه لتيار ديني أو عسكري أو ممارسة نشاط يخالف مبادئ الديمقراطية " وبالنظر لنص المادة 74 نجد أن عدداً من الأحزاب الحالية التي نشأت بعد ثورة يناير ، مخالفة لصريح المادة الدستورية ، لكنها مازالت مستمرة ، كحزب النور السلفي القائم علي أساس ديني والذي كان طبيعياً أن يحل تلقائياً عقب صدور المادة وهو ما لم يحدث ، مما يثير الشبهات حول حكومة محلب وتواطئها مع حزب النور السلفي كما يشير إلى تسرب السلفية الدينية إلى فكر القيادات السياسية التي تحكم مصر حالياً .
" للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية بإخطار ينظمه القانون ، ولا يجوز قيامها أو مباشرتها لأي نشاط على أساس ديني ، أو التفرقة بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو الموقع الجغرافي أو الطائفي أو ممارسة نشاط سري أو معادٍ لمبادئ الديمقراطية ، أو ذي طابع عسكري وشبه عسكري ، ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائي فحددت المادة الشروط الأساسية لنشاة الحزب المتمثلة في عدم قيامه بنشاط ديني أو انتمائه لتيار ديني أو عسكري أو ممارسة نشاط يخالف مبادئ الديمقراطية " وبالنظر لنص المادة 74 نجد أن عدداً من الأحزاب الحالية التي نشأت بعد ثورة يناير ، مخالفة لصريح المادة الدستورية ، لكنها مازالت مستمرة ، كحزب النور السلفي القائم علي أساس ديني والذي كان طبيعياً أن يحل تلقائياً عقب صدور المادة وهو ما لم يحدث ، مما يثير الشبهات حول حكومة محلب وتواطئها مع حزب النور السلفي كما يشير إلى تسرب السلفية الدينية إلى فكر القيادات السياسية التي تحكم مصر حالياً .
وأستطيع أن أتفهم أسباب إبقاء الرئيس السيسي على وزارة المهندس محلب رغم ما يصله من تقارير عن سوء الأداء وتفشي الفساد ، ولم يتبق سوى أربعة شهور وتنتهي إنتخابات مجلس الشعب ، ولابد أن يكلف الرئيس وزارة جديدة من حزب الأغلبية ، ولهذا فلا داعي من وجهة نظره أن يغير وزارة محلب ، رغم أن أربعة أشهر أو مائة وعشرين يوماً ليست بالفترة القليلة في بلد مفلس ينهار إقتصاده يومآ بعد يوم .
والمعروف أن الرئيسين عدلي منصور وعبد الفتاح السيسي أصدرا 480 قانوناً في غيبة الجهة التشريعية وهى البرلمان ، في مخالفة للدستور الذي أعطى رئيس الجمهورية هذا الحق فقط في الأحوال الطارئة والحرجة التي لا تحتمل تأجيل إصدار هذا القانون ، وأصبح الوضع الآن أن هذه القوانين الربعمائة والثمانين مطلوب مناقشتها وإقرارها بواسطة البرلمان خلال 15 يوماً فقط من الجلسة الإفتتاحية . . تصوروا 480 قانوناً تناقش في 15 يوماً فقط . . لكم أن تتصوروا حالة الإرتباك والإختلاط الذهني وعدم الدقة التي سيضطر لها نواب المجلس وهم يسابقون الزمن لمناقشة هذه القوانين في فترة زمنية قياسية . . لكم أن تتصوروا أن مصير مصر سوف يتم تناوله بطريقة سلق البيض ، ولست أدري من هم العباقرة الذين إختصروا هذه المدة الزمنية إلى 15 يوماً فقط لمناقشة وإقرار 480 قانوناً ، وفي النهاية أتوجه إلى الله بالدعاء أن يحمي مصر من أبنائها ومن عباقرتها الذين أخشى أن يتسببوا في إسقاطها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق